عندما يصيرُ الحق مطيةً للباطل !
د. حسناء عبدالعزيز القـنـيـعـيـر
لا يخفى على عاقل الدور الخطير الذي تمارسه القيادات الصفوية في المنطقة العربية. كتبتْ صحيفة " ديلي تلغراف " في يونيو الماضي أن إيران وقعت اتفاقية مع دولة عربية مجاورة لمصر تسمح لها بنشر صواريخ باليستية في قاعدة عسكرية قرب عاصمة تلك الدولة، مما يهدد أمن السعودية ومصر. كما أنها تسعى إلى مد نفوذها في إفريقيا المسلمة ذات الوشائج التاريخية مع العرب (نيجيريا، السنغال، تنزانيا، كينيا، النيجر) . ويذكر أحد المراقبين أن دول الخليج العربي صارت محاصرة بالتهديدات أكثر من الدول العربية الأخرى التي تستهدفها السياسات الإيرانية ؛ إذ ترى الدول الخليجية أنها ستكون ضحية أولى للطموحات النووية الإيرانية. وليس خافيا مطمع إيران في هذه المنطقة الاستراتيجية الغنية بالموارد الحيوية فهي تحتل جزرا لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتعد البحرين محافظة تابعة لها. ولها في العراق تدخلات نجحت في تقويض أمنه وفرض نوع الحكومة ! و من خلال تحالفها مع دول وجماعات في المنطقة تحرّض على منازلة أمريكا وإسرائيل في كل مكان، ولكن ليس على أرض إيران. وفي حالتيْ لبنان وغزة، تتجرع الشعوب العربية مزيدا من المرارات والانكسارات والإبادات التي يسارع إعلام محور طهران المأجور وعلى رأسه الآلة الإعلامية لحزب ولاية الفقيه في لبنان ، إلى وصفها بالانتصارات الإلهية ! ناهيكم عن تدخلها السافر في اليمن والسودان والصومال .
ولا يفوتنا أن نشير في هذا السياق إلى ما ذكره الرئيس الإيراني السابق أبو الحسن بني صدر من ان الخميني كان يريد ( إقامة حزام مذهبي إيراني للسيطرة على ضفتيْ العالم الإسلامي , وكان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسورية ولبنان, وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام فإنه سوف يستخدم النفط وموقع الخليج " الفارسي" للسيطرة على بقية العالم الإسلام) وأضاف : ( كان الخميني مقتنعا بأن الأميركيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك)! ومصداقاً لقوله هذا ما فعلته أمريكا بإطلاقها يد إيران في العراق ! وصمتها المريب عن عبث الحوثيين على حدودنا الجنوبية بدعم من إيران !
استطاعت السياسة الإيرانية ضمان موقع قوي لها في الجسم العربي يكون منطلقاً لإضعاف الدول العربية ، كما هي الحال في العراق ولبنان وفلسطين واليمن والخليج العربي ، الذي أصبح أكثر مناطق العالم التهاباً ؛ إذ تشكل تصرفات إيران وبرنامجها النووي عبئاً على دول الخليج العربي ؛ التي تعتبرها إيران ضمن مقوماتها الاستراتيجية ، فتحاول ما استطاعت فرض هيمنتها عليها ؛ وقد ارتبط ذلك بأحداث متلاحقة شهدتها المنطقة ، لعل أكثرها عنفا فتنة الحوثيين على حدودنا الجنوبية ، والتحريض ضد حكومة البحرين حدّ المطالبة بإسقاط الدولة ، فقد استغلت إيران المطالب الشعبية التي لا ينكرها منصف فجعلتها عبر عملائها عصيانا مدنيا وتخريبا !
وفيما يتصل بأحداث البحرين مؤخرا ؛ فقد كشفت المقاومة الوطنية العراقية منذ عدة أشهر عن مخطط إيراني يهدد أمن الأقطار العربية واستقرارها ، إذ ألقت القبض على أحد أخطر ضباط المخابرات الإيرانية الذي كان يقوم بدورمنسق العلاقات بين التيارات التابعة لإيران في العراق وأغلب الأقطار العربية ، وقد وجدوا في حوزته وثائق خطيرة جدا ، تكشف عن أبعاد المخطط الإيراني ! وفيما يتعلق بالبحرين فقد ورد في الوثائق : (يجب على أهل البيت وأنصارهم في البحرين زيادة الضغط ، وضمان استمراره وعدم توقفه على النظام ، لأن البحرين هي منطقة الضعف الرئيسية في دول الخليج " الفارسي " ، ونتوقع أن أمريكا وبريطانيا لن تستطيعا دعم النظام في حال حصول مظاهرات وتواصلها وزيادة حدتها وعنفها ، وخطوتنا الراهنة هي تعبئة الرأي العام العالمي وفي منطقتنا ضد الملك شخصياً وحاشيته السنية ، ولذلك يجب أن نجبر النظام على قمع المظاهرات وقتل بعض المشاركين فيها ، من خلال استفزاز الجيش وقوات أمن النظام وضربهم بكافة ما يتوفر ، وإذا حصل ذلك فإن الثورة ضد النظام ستندلع وتزداد قوة وانتشارا ، وسوف يقف الرأي العام العالمي مع الانتفاضة ويعزل النظام .
وإن استغلال صور الجرحى والشهداء الذين سيسقطون ، ونشرها على نطاق واسع سوف يوفر لنا القدرة على محاصرة النظام ، وإجباره على ارتكاب المزيد من الجرائم ، وهو ما نحتاج إليه بقوة لتحقيق أحد أهم اهدافنا ، وهو تعبئة الجماهير في البحرين من خلال تكرار الاحتفال بذكرى قتل الشهداء ، وإقامة المآتم أسبوعيا وشهريا وفصليا وكل نصف سنة وسنويا حتى إسقاط النظام . والهدف من إزاحة الملك هو إقامة جمهورية البحرين الإسلامية ، والتي يجب في المرحلة الأولى أن تتجنب إظهار ولائها لإيران ، وأن تعمل كدولة مستقلة نقدم لها الدعم الكامل ولكن بصورة سرية ، لتمكينها من إعداد الوضع في البحرين خلال الفترة المقبلة لتحقيق الأهداف الأخرى الأهم ، كما يوفر لنا ذلك فرصة وضع كل دول مجلس التعاون الخليجي أمام أمر واقع سوف يؤثر بشدة على مواقفها ، ويجعلها تتقرب من جمهورية إيران الإسلامية ، وتقدم لها التنازلات لإرضائها وهو ما نريده بعد إسقاط الملكية في البحرين)!
ولعل الأحداث التي شهدتها البحرين في الأيام الماضية تؤكد بما لا يدع مجالا لتشكيك المشككين أن السيناريو وصل إلى منتصفه ، وكاد أن يحقق النجاح الذي سعت دولة الملالي إليه لولا تدخل دول مجلس التعاون لحماية دولة البحرين من تحقيق المخطط الشيطاني . وفي هذا الصدد كتب أحد كتاب صحيفة الأيام البحرينية قائلا : (إذن فقد أصبحنا الآن نعرف أن المطالب المعيشية التى خرجت منذ الفترة الأولى من قلب الدوار حق أرادوا به باطلا... صدقناكم وآمنا بكل مطالبكم , وقلنا هي مطالب كل الشعب وليس فئه دون اخرى ... فجأة تحولت المطالب من معيشية إلى سياسية , أولا إقالة الحكومة وإنشاء مملكة دستورية , ثم سرعان ما خرج من قلب الدوار من ينادي بإسقاط النظام وبعده جاءت أصوات تنادي بإعلان جمهورية إسلامية ديمقراطية , إذن المسألة لم تكن مجرد مظالم أو مطالب معيشية , بل هي سعي إلى الانقلاب على الشرعية والحكم وتغيير وجه الدولة) .
لا يختلف خطاب إيران الإعلامي عن خطاب الدول الأخرى التي تؤسس شرعية نظامها على الإيديولوجيات الشمولية ؛ فتجعل خطابها الإعلامي بوقا دعائيا كالدول الشيوعية والنازية والفاشية التي اعتمدت على استراتيجيات إعلامية غرائزية لتثبيت إيديولوجيتها والترويج لها في الداخل والخارج . مع ملاحظة أن إغراق إيران في خطابها الدعائي الغوغائي ليس إلا محاولة لتجاوز مشاكلها الداخلية وإخفاء لواقعها الذي أخفقت الثورة في إحداث نهوض حقيقي فيه ؛ فأزماتها الداخلية لم تعد خافية ، وقيام المعارضة التي نشطت بعد تزوير نتائج الانتخابات وقمعها من قبل الملالي ووضع قادتها قيد الإقامة الجبرية ، مما تتناوله كل وسائل الإعلام العالمية على الرغم من التعتيم.
ومع تزييف الخطاب الإعلامي - عبر بعض قنوات الإعلام اللبناني المنتفع - الذي يصوغه النظام الإيراني وعملاؤه من العرب ، محاولين إظهار دولة الملالي بمظهر الدولة الإسلامية الأكثر تحضرا ، إلا أن واقعها المتأزم وعنصريتها البغيضة المؤطرة بإطار مذهبي وفكر ثيوقراطي ، يكشفان عن أوهام وأكاذيب تتناقض والقيم الإسلامية الداعية إلى الانفتاح على المسلم الآخر والمحبة والتعاون ، فلا نكاد نجد في عالم اليوم دولة إسلامية أكثر عدوانية من دولة الملالي ، إذ لا يكف مسؤولوها عن بث مشاعر الكراهية والاستعلاء لاسيما على العرق العربي ، حدّ البذاءة مما يظهرهم بمظهرٍ أين منه مظهر السوقة والغوغاء ! أما إسرائيل فقد أعلنوا بصدق ودون مواربة موقفهم الحقيقي منها ، مما يؤكد أن مصالهما واحدة ، وأن خطر إيران على العرب لا يقل بحال عن خطر إسرائيل ، تأملوا ما نقلته إحدى الصحف اللبنانية عن مسؤولين إيرانيين أحدهما مهدي صفري نائبُ وزير الخارجية الإيراني: (الجمعة, 18 مارس 2011 ): وصف مسؤولان رفيعا المستوى في الخارجية الإيرانية العربَ ب " البدو همج الصحراء " وقالا إن حضارة العرب طارئة ومرتبطة باكتشاف النفط في دول عربية كقطر والبحرين، مفتخرين بحضارة الفرس التي تعود - بحسب قولهما - لآلاف السنين ، رافضَين بشدة ربطَ الفرس بالعرب ! وعرضا 6 آلاف خارطة باسم " الخليج الفارسي " وأماط المسؤولان اللثام عن حقيقة التصريحات المعادية لإسرائيل والغرب ، وأكدا تعاطفهما مع إسرائيل واحترامهما لها ، بعكس العرب الذين يكرهون اليهود منذ القدم ، وأن إيران مضطرة لبثّ مثل تلك التصريحات الفقاعية لكسب ثقة الشعوب الإسلامية، وتحقيق حلم الثورة الخمينية عام 1979م بأن تصبح إيران قائدة العالم الإسلامي، وتجدد الحلم بعد سقوط نظام صدام حسين الذي وقف في وجه الحلم الفارسي) !
وفيما يخص نسبة الخليج إلى العرب فلا شك أن تلك التسمية تؤرقهم مما يجعلهم يوغلون في العنصرية والكراهية ، فقد ذكر أحمدي نجاد في كلمته بمناسبة (اليوم الوطني للخليج الفارسي) أن : (استخدام بلاده تسمية الخليج الفارسي هو إزالة غبار وتذكير وترسيم صحيح للواقع العالمي المعاصر ، على غرار مبدأ الثورة الإسلامية التي شكلت إزالة الغبار عن حقيقة الشعب الإيراني وهويته وتاريخه وطاقاته الهائلة) . نلحظ تعالي صيحات الإيرانيين على تسمية الخليج بالعربي ، ذلك الاسم الذي لا يقدم ولا يؤخر ، بل يكشف عن رغبة في محو كل ما له صلة بالعرب ، لكن ماذا عن لغتهم التي يتجلى فيها تأثير اللغة العربية ؟ ولماذا لا يزيلون الغبار حسب أحمدي نجاد عن لغتهم فيحذفون الكلمات العربية منها ؟ وهل يستطيعون ذلك ؟ حيث تكتب اللغة الفارسية بالحرف العربي ، وفيها مفردات عربية تشكل ما نسبته 60 % ، وهي نسبة عالية لا توجد في أية لغة عالمية حوت كلمات دخيلة ، ومعظم هذه المفردات والمصطلحات العربية بقيت على حالها دون تغيير ، على العكس مما تفعله اللغة العربية من تعريب للكلمات الأجنبية لتصبح على منهاج العرب في كلامهم . أما النحو فإن احتواء الفارسية على هذا الكم من المفردات العربية ، جعل الفرس يلتزمون كثيراً بقواعد الصرف والنحو العربية كي يفهموا أصول تلك المفردات واشتقاقاتها . علاوة على اعتماد الشعر الفارسي على الأوزان العربية وبحور الشعر نفسها ، كما أن البلاغة الفارسية ومصطلحاتها مأخوذة من مثيلاتها العربية . فأي تأثير أقوى من ذلك ؟ وماذا تشكل مفردة واحدة ( عربي بدلا من فارسي ) قياساً بما ذكر أعلاه ؟ ما يؤكد الطبيعة الإيرانية التي اعتادت على إثارة الإشكالات من أمور صغيرة والتغاضي عن الأمور الكبيرة التي تفضح أهدافها !
إن ما يثير القلق هو جرأة الإيرانيين على فرض الهيمنة بأساليب " ناعمة " ؛ تتمثل في زرع خلايا مذهبية نائمة وفاعلة في البلدان العربية، وفتح المراكز الثقافية والمعاهد التعليمية الدينية، وإنشاء المكتبات والمدارس والمستشفيات وصرف الأموال للمحتاجين ، وإنشاء جمعيات الصداقة الإيرانية - العربية ، واستخدام القدرات الاقتصادية والتجارية للتغلغل في النشاط الاستثماري ، ما يساعد على ترسيخ تأثيرها السياسي والمذهبي والثقافي والمادي .
أخيرا فإن الأطماع الفارسية لا حدود لها ، ولن نقضي عليها إلا بيقظتنا